مدخل
لا ادري إن كانت تلك هواية أم أنها بعض مما قد يتعلمه المرء من الحياة ، شيء قد يصعب على البعض فهمه ، لكن قد تستطيع تلخيص بعض الحكايا التي يحيكها القدر و يلبسها لأصحابها من مجرد نظرة.
***
ككل يوم تشهد محطة المترو حركية منذ الصباح الباكر و لا تهدأ إلا مع حلول الظلام. كان قابعا مثل الجميع ينتظر وصول المترو الخفيف ليقفز بين أحضانه و يعيش في عالمه بعضا من الوقت، كانت عيناه تتنقلان بين صفحات الجريدة الصباحية و الوافدين إلى المحطة.
أقبل المترو، دلف في جوفه و استقر في احد أركانه، و بدأ بالقراءة من جديد، فتح صفحة المجتمع، ليبدأ سبقا صحفيا لم يحض به شخصا آخر غيره ذلك الصباح.
نظر مليا في احد الأركان، ليجد قصة قد تكون لأرملة، تجعدت يديها من آثار مواد التنظيف و غيرها مما قد تعانيه امرأة لا سند لها في هذه الدنيا. غير بعيد عنها، تقبع قصة أخرى محملقة تنتظر دورها، شعر أشيب مربد، وجه اسمر تمرغت عليه أشعة الشمس حتى برزت مناكبه و عروقه. كانت رجلاه تحتضنان سلة تحتوى على عدة بناء تصدر ضجيجا بين الحين و الآخر لعلها تتساءل في ما بينها إذا ما كانت ستجد من سيستحق لخدماتها ذلك اليوم و كان هو ينظر إليها بشيء من التوتر من المؤكد انه يلقى عليها نفس السؤال؟
سرح ببصره يبحث عن عنوان آخر لقصة أخرى، كانت جميلة في ثيابها المتناسقة و الأنيقة بعض الشيء ، لتزال نضارة الشباب تعلو محياها ، تمسك برزمة من الكتب تضمها إلى صدرها و حقيبة يدها تتصارع مع الأكتاف و الأرداف لتجد لنفسها مكانا، كانت تلتهم بعينيها شطيرة بيد شاب بالقرب منها قد يقضم أصابعه معها، المسكينة مؤكد طالبة !!
في كل محطة تقلب صفحة و تصعد حكاية تشده أكثر من التي سبقتها، متسولة تسعى بين هذا و ذاك تطلب ثمن رغيف لأيتامها، المشكلة أن لكل راكب هنا رغيف على أقصى تقدير و هي تحاول أن تقتسم مع الكل رغيفه، يا للعجب !!؟
صوتها أزعج رجلا كان يكمل نومه في كرسي غير بعيد، ربطة عنقه تتسكع خلف ياقة قميصه، فتح فمه ليشبعها ببعض الشتائم و اللعنات، اغلب الظن أنها من تلك التي يشبعه بها مديره يوميا!!
ينتبه صاحبنا على صوت السائق و هو يعلن في مكبر الصوت عن الوصول لآخر محطة، ليطوي صفحة ذلك الصباح و ينزل متأبطا جريدته مفكرا في ما سيطالعه مساءا...
مخرج للمساء قصص أخرى، قد تكون خرافات و لا تصدق
لذلك اخترت بعضا من الصباح كي لا يكتسي سواد
المساء صفحتي و أذهانكم