تعلم كل الأمهات أن الحقيقة لا تخرج دوماً من أفواه الأطفال! فبعض الأطفال يقولون الكثير من التفاهات بثقة كبيرة في النفس بحيث يعجز الأهل عن التمييز ما إذا كانت تلك الأقوال صحيحة أم خاطئة.
ويخشى الأهل أن يُدخل الأطفال أنفسهم في دوامة الكذب بحيث يعجزون في النهاية عن الخروج منها.
هل يمكن اعتبار هؤلاء الأطفال مولعين بالكذب؟ لا داعي للخوف والهلع! فثمة عدد كبير من الأطفال يبتكرون القصص والروايات من دون أية نية للكذب على المحيطين بهم. إنهم ببساطة قيد النمو والتطور، ولا يميزون جيداً الحدود بين الحقيقة والخيال، أو لا يعثرون دوماً على الكلمات الصحيحة التي تتطابق تماماً مع الأفكار والأفعال. لذا، يحبكون الروايات... بكل براءة. صحيح أن هذا التصرف مربك ومحيّر لكنه جزء من النمو الطبيعي للولد.
علامة ضعف داخلي
بدءاً من عمر السبع سنوات، يصبح الكذب واعياًَ وعن سابق تصور وتصميم في أغلب الأحيان. وثمة دوافع عدة تحث الولد على تحريف الحقيقة، منها السخيف جداً مثل الخوف من العقاب بسبب غرض مكسور، ومنها الماكر جداً مثل الادعاء بضرورة إنجاز فرض مطلوب من المعلمة لاستعمال جهاز الكمبيوتر! كما تخدم الأكاذيب أحياناً للفت الانتباه، عبر إعطاء أهمية للذات في عيون الآخرين، أو لتجميل واقع قاسٍ جداً أو غير عادل. فالأب الغائب، مثلاً، يحوله الطفل إلى بطل مغامر ذهب في مهمة إلى الأدغال لإسكات رفاقه في المدرسة. الكذب هو دوماً طريقة لقول شيء ما. قد يكون الكذب دليلاً على ضعف عاطفي في العلاقة مع الأهل، أو دليلاً على واقع مؤلم يعجز الطفل عن التعبير عنه بصورة أخرى. من الأسهل ابتكار صورة جميلة للذات بدل كشف الحقيقة أمام الآخرين.
الخوف من خيبة الأمل
أثبتت الدراسات الميدانية أن الخوف من الفشل المدرسي والاجتماعي موجود بقوة بين العائلات. وتحت وطأة هذا الضغط، يسعى العديد من الأولاد إلى تمويه أدائهم المتعثر في الصف أو حتى الصعوبات التي يواجهونها في عقد الصفقات، خشية تخييب أمل أهلهم، وخصوصاً إثارة خوفهم. ويسعى الأطفال في هذه الحالات إلى حماية أب أو أم في غاية الضعف. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية... فالحرص باستمرار على قول ما يريد الآخرون سماعه، وليس ما يرغب الطفل فعلاً في التعبير عنه، يؤدي في النهاية إلى جعل شخصيته مقنّعة. قد يبدو كذب الأطفال في الوهلة الأولى بسيطاً، لا بل مضحكاً، إلا أنه قد يولّد على مرّ السنوات مشاكل في النرجسية (عشق الذات) قد تتحول إلى ولع بالأكاذيب.
تعلّم «الحقيقة»
صحيح أنه لا يمكن قول كل الحقائق ويمكن للصراحة المطلقة أن تكون مجحفة ومؤذية. لكن يجب إعطاء الطفل مفاهيم «الكذب المدرك والواعي». من الضروري تعليمه أن يكون حقيقياً وطبيعياً لكي يتمكن من إنشاء علاقات صريحة ومثمرة مع الآخرين. ويعتبر هذا التكيف مهماً جداً في مرحلة المراهقة، حين يحاول الأولاد التعبير عن مختلف أوجه شخصياتهم. نجد الأكاذيب الصغيرة المفيدة كثيرة جداً في مرحلة المراهقة، وذلك لمخالفة الممنوعات العائلية. لكن لا بد من الانتباه وتوخي الحذر. فابن الستة عشر عاماً الذي يحرّف الحقائق وينكر الحقيقة باستمرار يمكن أن يخفي مرضاً خطيراً يجب معالجته بشكل طارئ. إلا أن دفعه إلى الاعتراف بكذبه، مهما كلّف الأمر، ليس الحل المناسب للمشكلة. من الأفضل فهم أسرار الكذب وفتح الباب بهدوء للدخول إلى عالمه الداخلي. فوراء الكذبة الكبيرة التي يتفوه بها المراهق، تكمن في الغالب معاناة حقيقية...
التثقيف بدل المعاقبة
لا تنفع معالجة الكذب عند الأولاد بالمعاقبة. يجب تثقيف الولد بدل ذلك ليفهم تماماً أن كذبه غير ملائم وسوف يضرّ به على المدى البعيد. إليك هذه النصائح التي تساعد على تثقيف الولد حول مفهوم الكذب وقول الحقيقة.
- توليد جوّ من الثقة في قلب العائلة، حيث يعترف كل فرد بمشاعر الآخرين وحرياتهم. لا يجدر بالأهل أبداً أداء دور التحري الذي يحاول نبش كل الحقائق ومعرفة كل الأخبار، لأن الأولاد سيلجأون حتماً في هذه الحالة إلى الكذب للحفاظ قليلاً على حديقتهم السرية.
- الإصغاء إلى هموم الول د، من دون السعي لكشف كل التفاصيل. إنه موقف دقيق يتطلب الوجود الدائم للأهل وانتباههم إلى أولادهم واحترام مشاعرهم وخصوصياتهم. وليس هذا دوماً بالأمر السهل.
- عدم لصق تهمة الكذب بالولد. ففي هذه الحالة، يكشف الولد عن ردة فعل عكسية ويغوص أكثر في دوامة الكذب. من الأفضل إنشاء حوار بين الأهل والولد كي لا يدخل الولد في متاهات الكذب التي لا تنتهي.
- معالجة المشكلة بطريقة إيجابية. قولي لولدك مثلاً: «كنت ذكياً جداً باختلاق هذا العذر. لكن لماذا تخاف أن تقول لي الحقيقة؟». يفترض بهذه المناقشة أن تكون مناسبة ممتازة لإعطاء الولد درساً في الحياة وتعليمه طريقة ملائمة لتصحيح أخطائه.
- عدم تضخيم المشكلة. لا تشعري بالإهانة أو الخيانة كلما كذب ولدك أو ارتكب خطأ. فالولد لا يكذب لإيذاء الآخرين وإنما لإخراج نفسه من وضع صعب أو مأزق. ولعل الحل الأفضل يتمثل في الإظهار للولد أنك لست غبية ومن ثم محاولة فهم دوافعه التي حثته على قول الأكاذيب.
- تعليم الفرق بين الكذب والحقيقة. لا شك في أن طفلك شهد قبلاً على أكاذيبك الصغيرة... مثل الادعاء أنك غير موجودة في المنزل حين يرنّ الهاتف في لحظة غير ملائمة، أو إخفاء خيبة أملك عند تلقيك هدية غير مرغوبة... عليكِ أن تشرحي له الفرق بين الأكاذيب غير المقبولة وتلك التي تكشف عن تهذيب ولياقة في التصرف.
- تهنئة الولد بدل معاقبته. فحين تكتشفين كذب ولدك، لا تحاولي معاقبته بشدة لأن هذا قد يفاقم الوضع ويوسّع هوة الثقة بين الأهل والولد